مالطة
الخميس 3 تشرين اول 2019
كنت على اشد الحماس للسفر اليوم الى (مالطه) حيث هي
بالنسبة لجميع من اعرفهم بلد مجهول تماما...! ولم يستكشفه احد من معارفي بعد...! لذا فستكون
هناك مغامرة جديدة لي بالذهاب الى هذه (الدولة-الجزيرة)..!! لحضور مؤتمر طبي مهم..
ولكن فرحتي كان فيها المنغصات الكثيرة هذا اليوم.. فهناك تظاهرات صاخبة في بغداد,
والعراق مطالبة بالتغيير... واعلنت الدولة منع التجوال..!, و قطعت عنا الانترنيت الذي هو اهم وسيلة تواصل
في عصرنا...! واصبت بالكثير من القلق اذ ان المتظاهرين دخلوا مطار بغداد البارحة, قبل ان تقوم القوات العسكرية بأزاحتهم عن
المطار..!
اتصل بي سائق السيارة (تاكسي بغداد) وهم الوحيدون
المرخصون للدخول الى المطار.. واخبرني بان علي ان ابكر بالذهاب للمطار تحسباً لأي
طوارئ وبسبب الحواجز الامنية الكثيرة التي اغلقت كل الشوارع!.. وفعلا عندما انطلق
بي مررنا بأكثر من ستة حواجز امنية بين الحارثية حيث اسكن.. والمطار!!..
حطت بنا الطائرة في مطار اسطنبول الساعة السادسة صباحاً... كنا
في غاية النعاس والاعياء.. وبعد ساعتين انطلقت طائرتنا الثانية لنحط في
مطار (مالطه) في العاشرة ونصف صباحاٌ... وفي الثانية عشرة ظهراً كنا قد وصلنا فندق
(هيلتون).. حيث استلمنا غرفنا ونزلنا بعدها لتناول الغداء في الفندق...
المنظر من غرفتي الواسعة ذات البالكونة المطلة على البحر
المتوسط.. منظر رائع.. وهي تطل ايضاً على مسبح الفندق... سفرتنا الى مالطة لا
تتجاوز الثلاثة أيام.. لذا كنت متحمساً للبدأ في الإستكشاف فورا!..وبعد غداء سريع
خرجت لوحدي الى الشارع العام وسألت احد الاشخاص ثم شخص ثاني وعرفت كيف اركب
الحافلة رقم (16) الى عاصمة مالطة..(فاليتا)... فمالطه رغم كونها جزيرة صغيرة الا
انها من اكثر الدول اكتضاضاً بالسكان وهي مقسمة الى عدة ضواحي .. والضاحية التي
نسكنها هي (سان جيليان).. تبعد نصف ساعة
عن العاصمة (فاليتا)..
اسماء الضواحي التي مررنا بها تذكر الجميع بالاصل العربي
للغة المالطية .. فالمحلات التي مررنا بها كانت (سليمةSleima ) (الجزيرةAlgazera ) (السويقيAL Suaiqqi ) (الشط Al Shatt ).. كما ان الشريط الضوئي للحافلة
الذي يعلن عن محطة الوقوف القادمة كان يبدأ اسم المحطة بكلمة (الوقفة Al Waqfa)!..
جميع الأرقام المستعملة في اللغة المالطية هي ارقام
عربية تلفظ بلهجة المغرب (ويحد.. اثنين .. ثليثين..ربعين..) كما الكثير من الكلمات ..
كانت (فاليتا) هي المحطة الاخيرة لحافلتنا حيث نزلت عند
ساحة كبيرة جداً تتوسطها نافورة جميلة وقد تجمهر الناس على عرض كوميدي يقوم به احد
الاشخاص من )فنانيي الشارع Street Artist (...
منظر (فاليتا) كان أول ما أخذ انفاسي.. منظراً رائعاً
فهي قلعة اثرية محاطة بسور حجري من جميع الجوانب وهناك خندق يحيط بالمدينة من جميع
جهاتها, كما ان المدخل الى المدينة يمر من جسر كان بالماضي بوابة متحركة تغلق عند
وجود خطر خارجي..
بمجرد دخولك البوابة الرئيسية للمدينة تدخل في شارع عريض
وسطي تحيط به المحلات والمطاعم على جانبيه ويغص بالالوف من السواح من مختلف
الاجناس.. ذلك هو (طريق الجمهورية).. الممتع انني وجدت اسم الشارع مكتوب هكذا (Triq IL Republica طريق الجمهورية)
وكانت كلمة (طريق Triq) موجودة عند مدخل كل شارع.. كما ان الفروع الجانبية
الضيقة تبدأ بكلمة (زقاقSuqaq
)!! ولا غرابة في ذلك اذا عرفنا ان العرب قد حكموا
مالطة لمدة تزيد عن الثلاثمائة سنة.. حيث كانت مالطة والجزيرة التي شمالها (صقلية) والجنوب الإيطالي كلها تحت سيطرة المسلمين العرب طوال العصور
الوسطى..
تأثرت اللغة المالطية كثيراً باللغة العربية وصلت
تقريباً الى نصف مفرداتها من العربية التي تلفظ ب(لهجة مغربية) حيث كان اول من
افتتحها هي (مملكة الأغالبة) وهم خليط من عرب وأمازيغ كانوا يحكمون جميع شمال
افريقيا, حيث استلبوها من الروم البيزنطيين عام 870 وجعلوها قاعدة بحرية لهم وبنوا
قلعتها وسورها وخندقها... صار للعربية تأثير كبير على اللغة المالطية والتي صارت
خليطاً من اللغة الصقلية القديمة والعربية.. كلمات عربية تستعمل يومياً في لغتهم (دار,(
Dar (زعتر ,( Zathar (لباس ,(Lapes (كلب
kleb (.. وهناك غار شهير اسمه
(غار الظلام Ghar Dhalam ) فيه اثار قديمة
لشعوب بدائية كانت تسكن في هذه الجزيرة..
أما تأثير العرب في الموسيقى المالطية فهو كبير وكذلك في
فن العمارة والذي يبدو واضحاً لزوار هذه الجزيرة الصغيرة...
تمشيت في (طريق الجمهورية Triq Il Republica ) الى اول معلم
سياحي وهو (كاثدرائية القديس جون ) وهي اكبر كنيسة في مالطة وتشتهر بإحتوائها على
مجموعة لوحات فنية رائعة.. امام وجنب الكاثدرائية كانت هناك المقاهي
والمطاعم تكتظ بالزبائن في جو أحتفالي بهيج.. تمشيت قليلاً حيث كان هناك (المكتبة
الوطنية) جنب الكاثدرائية والتي استقر في مقدمتها تمثال كبير للملكة البريطانية (فيكتوريا)!!..
كانت مالطة تحت الاحتلال البريطاني لمدة مئة وخمسين عاماً
(1815-1964) وهذا يفسر ان جميع شعبها يتحدث باللغة الانكليزية اضافة الى اللغة
المالطية... كما ان قيادة السيارات فيها هي على الجانب الايسر للشارع وليس على
الايمن مثل بقية دول الاتحاد الاوربي...
بعد (المكتبة الوطنية) مررت بقصر رائع كبير تتوسطه حديقة
غناء وهو القصر الذي سكنه امراء مالطة في القديم ولايزال يحتوي على نفائس العصور
القديمة.. الدخول للقصر مجاني.. حيث يحتوي على مجموعة من الدروع والاسلحة التي
كانت تستعمل في العصور الوسطى... فمالطه مرت بجميع انواع الاحتلال وعلى مدى
تأريخها...
يمكن ملاحظة الزخرفة الإسلامية في الكثير من الأبنية في
مالطة.. حيث تجد المقرنصات والزخارف في سقوف وحيطان القصور والكنائس وكثير من
الأبنية الأثرية. كذلك فإن العرب لهم أثر كبير في طريقة بناء القباب والتي صارت
علامة فارقة في كل المدن التي كان العرب قد حكموها. وقد أثرالتواجد العربي في
مالطة على بناء البيوت ايضاً حيث يؤدي
الباب الخارجي الى فناء داخلي مازالوا يسمونه ( الصحن Sahn)
حيث يخدم للتهوية والإضاءة والإحتفاظ بخصوصية سكان المنزل... كذلك فإن الكثير من
البيوت لها سطوح منبسطة وهو طراز هندسي يتميز به العرب.. كما ان الكثير من المباني
الأثرية تحتوي على ما يشبه المداخن لكنه يخدم للتهوية وجلب الهواء البارد
والذي كنا نسميه (بادكير).. تماماً كما
كنت اجده في بيت جدي في بغداد القديمة. وهو من مميزات الطراز العربي في العمارة.
بعد ذلك دخلت في شارع آخر محاذي لشارع الجمهورية .. ذلك
هو شارع التجار... وهو الشارع المهم الذي تقع فيه العشرات من المطاعم الممتدة على
ارصفته ... كما يقع فيه السوق الرئيسي والذي كتب اسمه كما يلي: (Is-Suq).. وفي نهايته (متحف الفنون
الحديثة) منتهياٌ بساحة كبيرة هي ساحة (القديس جيمس الفارس) و(قلعة القديس جيمس)..
سألت احد المالطيين بينما كان يركن سيارته فارشدني الى حديقة تقع خلف القلعة وهي
اهم حدائق (فاليتا) وهي (حدائق البركة العليا) (Upper Barraqa Gardens) ... حدائق رائعة على عدة مستويات
وفي المستوى الاسفل منها وضعت ثلاثة مدافع كبيرة تقوم باطلاق النار يومياٌ عند
الساعة الثانية عشرة ضهراٌ... طبعاً بالقنابل الصوتية فقط... وهو تقليد قديم ربما كان
ذلك كي يذًكر المدينة بما مرت به من غزوات... من (حديقة البركة) دخلت المصعد
الزجاجي لاهبط الى أسفل القلعة حيث تمشيت عائداً الى (ساحة الاستقلال) ومن هناك
ركبت الحافلة عائداً الى فندقنا في (سانت جيليان)..في القرن الحادي عشر سقطت مالطة
بأيدي الفاتحين ال(نورمان) وهم من شمال غرب فرنسا بعد ان سقطت صقلية بأيديهم والتي كانت هي الأخرى
إحدى معاقل المسلمين المهمة, لكن الكثير
من التأثير العربي بقي في مالطة سواء باللغة المالطية والموسيقى وفن العمارة والطعام. وبقيت كلمات
مثل (المدينة Medina ) و(الرباط Rabat) و(المرسى Marsa) و (الوادي Wadi
) تستعمل الى يومنا هذا.
وحسب المؤرخين فإن تأثير العرب على المطبخ المالطي بقي
لحد الآن فالعرب هم من أدخل التوابل مثل الكمون والكزبرة والقرنفل والقرفة
(الدارسين) الى الطعام المالظي.. كما انهم تعلموا من العرب استعمال اللوز في
الحلويات وكذلك في انواع الطعام الأخرى..
اغنية:
https://www.youtube.com/watch?v=k97XKU-LZso
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق