السبت، 5 ديسمبر 2015

البصرة ... مدينة السياب الخالدة 12 أذار 2015

الاربعاء 12 اذار 2015
    وصلنا مطار البصرة  قادمين على  الخطوط  العراقية ...رحلة  قصيرة استغرقت ساعة  واحدة  فقط حيث غادرنا في حوالي الخامسة  عصرا ووصلنا في السادسة مساءا

    وربما كانت المدة التي  استغرقتها عملية الاطلاع على جوازات سفرنا والاجراءات  الامنية  للمطار والبطأ الذي يتعامل فيه ضباط المطار...ومغادرتنا المطار بالسيارات الخاصة  لزملائنا الاعزاء مدة  اطول من ذلك حيث استطاعوا مشكورين وفيما يبدو بصعوبة  استحصال الموافقات لكي يدخلوا بسياراتهم  الخاصة...والتي انتبهت الى انها سيارات فارهة توحي بكونهم  في حالة مادية  جيدة  يستحقونها بجدارة... اخواننا الاعزاء الذين كنا و كانوا في انتظارذلك اللقاء  بلهفة وبفرحة.... وسرنا في موكب واحد متجهين  من مطار البصرة  الى وسط  المدينة
    فندقنا كان ( فندق مناوي باشا) ذلك الفندق  الذي سمي  على اسم المحلة التي اقيم فيها... والذي كان من اوائل فنادق الخمسة نجوم  قبل  ان يتم بناء فندق ( الشيراتون بصرة)... اخبرنا الاخوان ان (فندق  الشيراتون) محاط باجراءات امنية مشددة  واحياناً يأتي بعض السياسيين من  بغداد ودون  اي  سابق  انذار... ويحجزون الفندق  كله مما يوقع الفندق  وادارته بورطة...كما حصل  مؤخراً في زيارة  للسيد رئيس الجمهورية...  حيث تم  الغاء حجوزات  لاناس كانوا ينوون اجراء حفلات زواجهم  فيه... الغيت حفلاتهم بسبب وفد رئيس الجمهورية... مما سبب لهم  ارباك لايحسدون عليه!! في يوم زواجهم!!... وربما هذا هو  السبب الذي جعل  زملائنا  يقررون ان  يحجزوأ  في هذا الفندق لغرض اقامتنا وكذلك الندوة التي سيحضرها العشرات من اطباء البصرة من مختف الاختصاصات ... فندق (مناوي باشا ) الذي هو اقل عرضة لمثل هذه  الحالة والذي سيكون  مكان ندونتا في الغد 

    استلمنا غرفنا في الفندق  وكان موعدنا ان نلتقي بعد ساعة واحدة  في بهو الفندق  لاخذنا الى مطعم  قريب نذهب له سيراً على الاقدام
    غرفتي لابأس بها ... الا انني وعندما كنت اريد الاستحمام  فأن الماء كان سئ الرائحة بشكل غير  معقول...  رائحة الماء المنبعثة من  صنبور الماء كانت كما لو كانت  رائحة جثة  متفسخة....كنت قد سمعت  ان  ماء الاسالة في البصرة  سئ جداً وان مشكلة الماء في البصرة مشكلة مزمنة لكني  لم  اتصور  ان  يكون بهذا السوء...  الغيت  فكرة الاستحمام  بهذا الماء بل  وحتى الوضوء به...  وطرقت  الباب على زميلي (نزار) وسألته عن ماء الصنبور في غرفته .. اخبرني ان رائحته جيدة  وليس  فيه مشكلة... جلبت (نزار) الى غرفتي  وفتح الماء وتيقن هو  ان المشكلة في ماء الحمام في غرفتي  فقط  وليس  في بقية الغرف....  بعد ساعة نزلنا الى بهو الفندق حيث كان الزملاء في انتظارنا  اخبرت    موظفي الفندق بمشكلة الماء في غرفتي فاجابوا بانهم  سوف يتحققون من الامر....وتوجهنا نحوالمطعم  القريب والذي اسمه (مريم) يفترض بكونه مطعم  لبناني   

مع الزملاء نزار وكمال الديبكل وتبدو الدكتورة وجدان الشامي في حافة الصورة
د مسلم (على الهاتف) وعلي نزار وعامر الخضيري 

    كان الطعام جيداُ والضيافة  ممتازة وهو الامر المعهود  باهالي البصرة وكرمهم.... واستغرق عشاءنا  الى مابعد الساعة العاشرة...     وبعد   خروجنا من المطعم ...   اقترح احد الاخوان ان الوقت لايزال مبكراًً ...  وربما بامكاننا التجوال في كورنيش البصرة وكنت انا مصراً على ان نرى تمثال السياب ... هذه الليلة وليس غداً!!.... وهكذا  توجهت بنا سيارات زملائنا الاعزاء الى كورنيش البصرة الذي يقع على شط العرب... اما الجزء القديم من البصرة فكان بائساً جداً... واما نهر العشار النهر الذي تشتهر به البصرة  فقد اختفى من الوجود  وحل محله كمية هائلة  من  المزابل و القاذورات....منظر النهر المندثر يبعث على البكاء!
    اول موقف لنا كان قرب تمثال السياب بعد  ان استأذن لنا زملائنا من العساكر الذين كانت سيطرتهم  قريبة جداً من هناك ..وافق العسكر فوراً بعد ان  عرفوا اننا ضيوف قادمين من  بغداد واننا اطباء.... تمثال السياب ...شاعر العرب الرائع الذي جاد الزمان به يقبع  في مكان  لايليق  بعظمة هذا الشخص... تحيط بالتمثال بضع عربات بائسة لباعة متجولين وتحجب المنظر عنه تلك  الكميات الكبيرة  من اسلاك الكهرباء للمولدات التي  فيما يبدو انها تغذي المطاعم  والحوانيت القريبة..... ولكن  حبي للسياب والذي كنت احفظ قصائدة منذ المتوسطة ثم في كلية الطب... شاعر  (انشودة المطر) و(حفار القبور) و(المومس العمياء)وبقية  روائعه.الا ان  الظلام كان   يمنعنا  من التقاط  الصور فأخبرني الزملاء اننا سوف نأتي بجميع الاحوال غداً ايضاً الى نفس هذا المكان لان هناك  سفرة باليخت في شط العرب وحيث سنتناول العشاء في اليخت الذي تم حجزه لنا غداً.... قارب الوقت منتصف الليل عندما عدنا الى الفندق. وصلت  غرفتي لاجد ان مشكلة  الرائحة الكريهة في ماء الحمام لاتزال كما هي... نزلت الى استعلامات  الفندق  وشكوت  لهم قالوا  ان  المشكلة  هي  في خزان الماء الذي يغذي غرفتي ... الغرفة كانت  متروكة  لفترة  طويلة  للصيانة وتعفن  الماء..طلبت تغيير غرفتي الا انهم  تحججوا كذباً وكسلاً بانه  لاتوجد  غرف جاهزة  حالياً كما لايوجد اي عمال صيانة!!  وعليه يجب ان اتحمل حتى  الصباح... ونصحوني بحل  غريب  جداً... وهو ان افتح  الماء باقصى قوته واتركه مفتوحاً حتى الصباح.....  عندما عدت  الى غرفتي  يائساً من تغييرها... عملت  كما اخبروني..  ولكم ان  تتصوروا متعة ان  ينام المرء وهو يستمع الى صنبور ماء مفتوح باقصى قوته في ال (بانيو) طوال الليل!! حيث  لم يمنع  غلق باب الحمام  من الاستماع  الى هدير الماء المستمر... وزاد من متعة النوم  تلك الليلة سقوط لوحة السرير فوق رأسي اثناء تقلبي في الفراش.. ويبدو انها كانت معلقة بشكل مؤقت...  ولحسن حظي انها كانت مبطنة!! وضحكت في سري ... فماذا اتوقع من فندق عراقي في عراقنا العظيم ... حتى لو كان ذلك الفندق من فئة الخمسة نجوم!


الخميس 13 اذار 2015


    في الصباح التالي نزلنا لفطار كان اقرب الى فطار فنادق النجمة الواحدة  في  اي  دولة اخرى .. الا اننا تلذذنا بالفطار مع ذلك ففرحتنا بكوننا في البصرة .. المدينة الحبيبة الى قلوبنا... التي كنت  اود زيارتها منذ زمن طويل ...مدينة السياب.. هي حلم قد تحقق  فماذا يعني ان يكون الفطار اقل مما نتمناه في فندق  يفترض بكونه  خمسة نجوم....  يكفي ان فيها زملاء لنا هم في منتهى الكرم  وطيب الاخلاق... وكون الخدمة في الفندق سيئة هي  ليست خطأهم... كنت سعيداً ايضاً ان حيلة فتح الماء طوال الليل قد نجحت أخيراً ... وان الماء الان صار صالح للاسهلاك البشري... ضاهرياً على الاقل ... وقررت ان  اغض النظر عن  فكرة  تبديل غرفتي عملاً بالمثل القائل (شين التعرفه... احسن من الزين الماتعرفه) .. خوفاً من ان يعطوني بديلاً اسوأ.. 
    في حوالي الساعة التاسعة صباحا ً ابتدأت الندوة العلمية  والتي قام فرع جمعية المفاصل العراقية في البصرة بتنظيمها مشكورين وكان منهج  الندوة  العلمي  حافل بالمحاضرات  العلمية  التي  قدمناها نحن  القادمون من بغداد ومن  زملائا اطباء البصرة... وزادها قيمة  معنوية  حضور الاخ رئيس جامعة البصرة  الزميل العزيز جراح الكسورثامر حمدان والاخ جراح  الكسور مبدر القيسي والكثير من الزملاء الاخرين كما حضر الزملاء من الحلة وكربلاء  والنجف ومحفظات  اخرى



محاضرة  د نزارعبداللطيف
محاضرتي

مع  الاستاذ ثامر الحمداني رئيس جامعة البصرة والذي  كانت  له محاضرة


    كان هناك جلسة علمية  اخرى  بعد الظهر ...ومن ثم استراحة قليلة ثم خرجنا بسيارات زملائنا الاعزاء في جولة نهارية في البصرة ...توجهنا  نحو كورنيش شط العرب حيث كانت لنا وقفة نهارية هذه المرة قرب تمثال السياب...وقفنا قرب تمثاله  نلتقط الصور التذكارية فمن يدري ان كنا سنزور السياب  في فرصة اخرى
شاعر انشودة المطر الخالد السياب

الزملاء من اليمين الدكاترة عبدالناصرحسين  وعامر سامي الخضيري ونزار عبداللطيف وعبدالستارالمذخور وانا وغازي رديني واحمد عبدالباري و ؟  وعلي نزار
توجهنا نحو  الجسر المؤدي الى جزيرة السندباد...كدت اصاب بالجلطة عندما رأيت جزيرة السندباد...تلك الجزيرةالتي كانت قبلة كل زوار البصرة عند زيارتي  اليتيمة الى البصرة عام 1966 عندما كانت السفن بالعشرات تقف  على كورنيش البصرة ..عندما ركبنا قاربا  جاب بنا انهار الخصيب وكان نهرالعشار من اجمل مناظر البصرة...ياالهي ماذا حل بهذه المدينة التي كانت زهرة الخليج وقبلة الناس من انحاء العالم... في وقتها قضيت اروع الاوقات في حدائق جزيرة السندباد  وكانت زارخرة بالمطاعم والكازينوهات والمشارب... كانت البصرة تعج بالحياة  والصخب... في ذلك العام ... عندما كنت في الصف الرابع من الاعدادية جئت البصرة مع صديقان لي ... كان احدهما يتعامل شقيقه بتجارة  مع احد البصريين وجئنا معه لزيارة ذلك الشخص... والذي امطرنا بكرم  الضيافة لم نر مثلها في حياتنا... تلك كانت اجمل مدن العراق بعد بغداد....  هناك وفي احد  الكازينوهات التقيت بأحد السواح الاجانب الذين يسافرون بحمل حقيبته على ظهره  مربوطة باحزمة معلقة من اكتافه... قمت مع صديقي (عماد) بدعوة ذلك السائح الى الجلوس معنا وشرب بعض المشروبات الغازية ... واستجوبته بدقة عن كيفية السفر بهذه الطريقة وكيف يمكن للانسان ان يجوب العالم بكلفة قليلة... وكانت تلك الجلسة هي التي قدحت افكاري لان اسافر بنفس الطريقة بعدها بسنتين عندما صرت طالباً في كلية الطب
      مررنا  بالكثير من ابنية كان من  الواضح  انها كانت  رائعة فيما مضى والان صارت  خرائب... نادي  البحرية... نادي الموانئ  ابنية تحكي الظلم الذي حل بها والاهمال الشديد  بدلا من الاستفادة  منها  ومن مواقعها المتميزة... شوارع البصرة تبكي الاهمال والفساد المستشري الذي حول الكثير من اجزائها الى اطلال مهجورة تبعث على الحزن والالم!!


مع الزميل عباس  طعمة

مع عبدالناصر

من  الجسر المطل  على جزيرة السندباد  مع الاخوان عبدالناصر  وعبدالستار


بعد  تلك  الجولة  حان وقت اليخت الذي ينتظرنا على كورنيش شط العرب... وكان الجو رائعاً وبجولة استغرقت اكثر  من  ساعتين اطلعنا من خلالها على قصر صدام الذي تحول الى متنزه  وقاعة ضيوف... وهوامر جيد ومشكور بدل من  اعطائه للصوص الكثيرين الذين لم يبقوا للبصرة اي من ثرواتها....



القصر الرئاسي في الخلفية 


من الواضح  ان  الجميع سعيد بهذه الرحلة

    استمتعنا كثيراً بالجولة....وفي  طريق  عودة اليخت  جاء الخدم البنغاليين العاملين في اليخت لاخبارنا ان عشاءنا حاضر واننا يجب  ان  نعود  الى داخل قاعة  الطعام حيث طاولات نظيفة ومرتبة بشكل جيد وكان العشاء بالمقبلات اللبنانية البسيطة واللذيذة وصحون  المشويات .....  عشاءا كان يزيد من لذته متعة الحديث  مع الزملاء الاعزاء


احمد ونزار وانا وغازي .. وفاصل من النكات
سعادة  التواجد في البصرة  العزيزة


    في حوالي العاشرة مساءاً وصلت بنا السفينة الى مرفأها واخذنا بالنزول... ولكن من  اين  لنا ان  نعود الى الفندق... كان  مقترح جميع الزملاء ان  نذهب الى  اهم  شارع للاسواق ..  فمعظمهم يروم  شراء التمر المحشي البصراوي اللذيذ! وفعلاً استجاب جميع زملائنا البصريين لمطاليبنا  التي لا  تنتهي واخذونا الى اهم شارع اسواق في البصرة... شارع  الجزائر... وصل للاخ عامر الخضيري نداء من اخونا العزيز اختصاصي الكسور (مبدر عبدالرحيم القيسي ) بأنه يود اللقاء بي ... واخبرناه بمكان تواجدنا... وبعد دقائق جاء اخي العزيز مبدر ... تجولنا في الشارع الذي يعج  بالمتبضعين... ثم عدنا الى الفندق في منتصف الليل بعد ان اصر مبدر على  ان اً  يكرمني الكرم البصراوي الاصيل (رغم علمي انه ليس من اهالي البصرة ولكن ... من عاشر القوم اربعين يوماً صار منهم ) كما في المثل الشائع

الجمعة 14 اذار 2015
     صباح  اليوم التالي حضر الاخ عامر الخضيري مشكوراً بسيارته لايصالنا الى مطار البصرة حيث يجب ان نكون هناك قبل الساعة الحادية  عاشرة لرحلة العودة الى بغداد  محملين بذكريات ضيافة اخوان  اعزاء بذلوا كل مايستطيعونه  لاسعادنا  في  اليومين الماضيين وذكرى مدينة عظيمة  جميلة تحولت وللاسف وبسبب  السياسيين الفاسدين الى خرائب... ودعاء الى الله عزوجل ان يعيدها  الى زهوها وجمالها السابق....